في يومنا الوطني المجيد 94 لابد من التأكيد على أن أصدق معاني الحب للوطن أن نحب الوطن وقادته محبة مجردة من كل منفعة أو مصلحة. لا نحبهم إلا لله، محبة خالصة عمادها الأمر الرباني بطاعة ولاة الأمور (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقوامها الهدي النبوي (اسمعوا وأطيعوا).
لقد درج على ثرى هذا الوطن رجال ونساء كثير فمضوا وعبروا دون أن يعرفهم أحد، فلم يخلد اسمهم في جريدة أو موقع، ولم يقرأوا يومًا كتابًا عن الوطن أو يتفقهوا مرة في معنى المواطنة، وربما لم يتقلدوا -طيلة حياتهم- وظيفة أو منصبًا، ولم يكسبوا جاها ومنزلة، لكنهم مع ذلك كانوا أكمل الناس مواطنة وأصدقهم محبة للقيادة والوطن، إذا أغلق الواحد منهم عليه باب بيته ورأى أبناءه حوله مجتمعين في أمن واستقرار لا يخاف إلا الله رفع يديه إلى السماء بأن يحفظ هذا الوطن ورجاله وقادته، وأن يغفر لمؤسس هذا الكيان وبانيه، ثم مسح وجهه بيديه ومضى إلى شأنه دون أن يكتب عنه أحد تغريدة أو يلتقط له صورة.
ومثل هذا ذلك الموظف أو المسؤول الذي أدى الأمانة وأوفى بالعهد ورعى الذمة فقام بما كلف به خير قيام، همه فقط أن يرضى الله عنه ثم يَؤدي حق َولي أمره الذي تعاقد معه للقيام بهذه الوظيفة.
ومثله من عف عن المال العام مع قدرته عليه خوفًا من ربه -جل وعلا- ووفاءً بذمة ولاة الأمور وليقينه التام أن حرمة بيت مال المسلمين أشد حرمة من مال جاره أو قريبه..
كل هؤلاء وأولئك قد لا نعرفهم ولم يخلد أحد ذكرهم ولكن حسبهم أن الله يعرفهم.